التوقيت الصيفي والتغيير السنوي للساعة.. ما أسبابه وما تأثيراته على صحة الإنسان ؟
مع قدوم الربيع، نشهد العديد من التغيرات في الطبيعة، كالحرارة الأكثر دفئاً والأيام الأطول والأزهار الجميلة التي تبدأ بالظهور في الحدائق. والأهم من ذلك، التوقيت الصيفي الذي يبدأ العمل به مع بداية هذا الفصل. لكن هل فكرت بأسبابه وآثاره من قبل؟
يبدأ العمل بالتوقيت الصيفي يوم الأحد 2 آذار في الساعة 2:00 صباحاً، حيث يتم تحريك عقارب الساعة لتتقدم بمقدار “ساعة”. بينما ينتهي هذا التوقيت في أول يوم أحد من شهر تشرين الثاني، عندما تتراجع عقارب الساعة بمقدار “ساعة واحدة” أيضاً.
إن ازدياد الضوء في نصف الكرة الأرضية الشمالي هو السبب وراء هذا التغيير في الساعة. حيث تطول الأيام في فصل الربيع ثم تبدأ بالتضاؤل في فصل الخريف.
في الواقع، عند قيام الناس باتباع هذا التوقيت، فإنهم يضيفون ساعة من ضوء الشمس إلى نهاية يومهم. لكن فوائد هذا التغيير تثير الجدل ويمكن أن يسبب “آثاراً مختلفة على صحة الإنسان”.
ماذا ينتج عن التغيرات في ضوء الشمس؟
تحدث التغيرات الفصلية في طول اليوم بسبب الدوران المتوازن للأرض، حيث تدور حول محورها بزاوية ثابتة نسبياً تبلغ “23.4 درجة” بالنسبة لمسارها حول الشمس. ففي حين يتمتع خط الاستواء عادةً بحوالي 12 ساعة من النهار والليل على مدار العام، فإن هذا الأمر لا ينطبق على الشمال أو الجنوب.
يمثل فصل الصيف “وقت الإشراق” بالنسبة لنصف الكرة الشمالي، حيث يميل نحو الشمس فتتغير الأيام لتصبح أطول وأكثر دفئاً. في هذه الأثناء، تبدأ أيام الشتاء القصيرة في نصف الكرة الجنوبي الذي يميل بعيداً عن الشمس. ينعكس هذا الوضع بعد ستة أشهر حين يبدأ الشتاء في النصف الشمالي بينما يُغمر النصف الجنوبي بالضوء.
يعتمد تغيير التوقيت في منطقة محددة على بعدها عن خط الاستواء. ففي البلدان البعيدة، يبدو الفرق في طول النهار بين الصيف والشتاء أكثر وضوحاً. لذلك، فإنها تشارك في عملية التغيير هذه.
متى بدأ التوقيت الصيفي لأول مرة؟
يعود الفضل في بدء التوقيت الصيفي ل “بنجامين فرانكلين”، حين كتب رسالة ساخرة لمجلة “Journal de Paris” في عام 1784. أعرب “فرانكلين” في رسالته عن دهشته لرؤية شروق الشمس في الساعة السادسة في الصباح الباكر، قبل وقت طويل من رؤية معظم الباريسيين له.
لم يقترح “فرانكلين” تغييراً في الساعة، لكنه طرح حلولاً طريفة كإطلاق المدافع في الشوارع لإيقاظ الناس من النوم. كما اقترح فرض ضرائب على النوافذ المغلقة، بالإضافة لفرض قيود على بيع الشموع.
في الواقع، ينسب بعض الناس فكرة “التوقيت الصيفي” لعالم الحشرات النيوزيلاندي “جورج هدسون”. اقترح “هدسون” الحصول على مناوبة عمل مدتها ساعتان، للسماح بمزيد من البحث عن الحشرات بعد العمل. بعد فترة قصيرة، اقترح الناشط البريطاني “ويليام ويليت” فكرة مماثلة لمنعه إهدار ضوء النهار، وقدم اقتراحه للبرلمان الإنكليزي في أوائل القرن العشرين.
بالنسبة لألمانيا، فقد قررت البدء بتنفيذ هذا التغيير خلال الحرب العالمية الأولى، حيث نفذت التوقيت الصيفي لأول مرة في عام 1916. سرعان ما حذت الولايات المتحدة حذوها، مع أول تغير فصلي في البلاد في عام 1918.
هل يتم العمل بالتوقيت الصيفي في كل أنحاء العالم؟
لا تطبق جميع البلدان هذا التغيير في الساعة. على سبيل المثال، بالنسبة للولايات المتحدة وهاواي ومعظم ولاية أريزونا وأراضي غوام و بورتوريكو وساموا الأمريكية وجزر فيرجن الأمريكية وجزر ماريانا الشمالية، تفضل هذه البلدان استمرار العمل بالتوقيت الصيفي.
على الصعيد العالمي، تتبع معظم أمريكا الشمالية وأوروبا ونيوزيلاندا وبعض مناطق الشرق الأوسط هذا التغيير السنوي. بالمقابل، لا تغير غالبية إفريقيا وآسيا ساعاتها أبداً. أما بالنسبة لأمريكا الجنوبية وأستراليا، فتختلفان حول هذا الموضوع.
في عام 2019، صوت الاتحاد الأوروبي لإنهاء العمل بهذا التغيير الزمني، لكن يبدو أن هذا الأمر لا يزال مُعلقاً في الوقت الحالي. في الواقع، كان من المتوقع أن تقرر الدول الأعضاء بحلول عام 2021 ما إذا كانت ستعمل بالتوقيت الصيفي أو الشتوي. على كل حال، توقفت المفاوضات مع تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووباء COVID-19.
هل هناك فوائد للتوقيت الصيفي؟
يبدو هذا التغيير في الوقت غريباً بالنسبة للكثيرين، ولا يعتادون عليه بسرعة، فكثيراً ما يقومون بتفويت اجتماعات وأمور مهمة بسبب ذلك. وقد تظهر آثار أكثر خطورة أيضاً. فقد أظهرت بعض الدراسات حدوث “زيادة في النوبات القلبية” بشكل متزامن مع تقدم الوقت، و”انخفاض” بهذه النوبات عند تراجعه. تشير دراسات أخرى أيضاً إلى إمكانية ارتباط هذا التغيير الزمني بزيادة حوادث السيارات المميتة، على الرغم من أن هذا التغيير ضئيل بالنسبة للعدد الإجمالي للحوادث في كل عام.
في الواقع، لا تزال هناك مخاوف أخرى تشمل التأثيرات على جهاز المناعة، بسبب قلة النوم التي تحدث مع كثير من الناس في هذه الفترة.
أما بالنسبة لتوفير الطاقة الذي يمكن أن يحدث بسبب هذا التغيير، اقترحت دراسة أجرتها وزارة الطاقة الأمريكية في عام 2008 أنه في الولايات المتحدة، توفر أربعة أسابيع إضافية من التوقيت الصيفي حوالي “0.5% من إجمالي الكهرباء يومياً”. حيث تقلل ساعات الشمس المتأخرة من استخدام الكهرباء خلال هذا الوقت، لكنها تسبب بالمقابل استخداماً أكبر لتكييف الهواء في المساء، أو استخدام أكبر في الطاقة في الصباحات المظلمة نسبياً.
في هذه الأيام، يركز المؤيدون للتوقيت الصيفي بشكل عام على التعزيز الذي يمنحه هذا التوقيت للأنشطة المسائية. حيث يميل الناس للخروج لممارسة الرياضة والتنزه واصطحاب الأطفال للعب، بدلاً من الجلوس في المنزل.
بالمقابل، لا تؤيد بعض الدول العمل بالتوقيت الصيفي. حيث كشفت دراسة استقصائية تم إجراؤها في أوروبا أن حوالي 4.6 مليون مشارك يعارضون التوقيت الصيفي.
فإن كنت تعيش في بلد يقوم بتغيير ساعاته مرتين بالسنة، احذر من آثار ذلك جيداً.
اقرأ أيضاً: الاكتئاب الربيعي المفاجئ عند بعض الناس ظاهرة طبيعية، تعرف معنا على أهم أسبابه..