استيقظ الدنماركيون، صباح الاثنين، على موجة من ارتفاع الأسعار بلغت نحو 20%،
قادها قطاع الطاقة، وسط توقعات بمزيد من التضخم مع استمرار الغزو الروسي
لأوكرانيا.
وأدت موجة البرد الحالية التي تمر بها البلاد إلى ارتفاع استهلاك المواطنين من
الطاقة والسلع، وهو ما يرفع الطلب ويزيد الأسعار.
وارتفعت أسعار البنزين إلى 17 كرونة (2.5 دولار تقريبا) للتر الواحد من نحو 9 كرونة
سابقا، مما يعني أن الراتب الشهري سيخسر أكثر من ألفي يورو سنويا.
وتبريرات رفع المتاجر لأسعارها بدءا من اليوم أن “أسعار الطاقة والمواد الأولية
ترتفع”، وأن وفرة المواد لا تعني بقاء الأسعار عند ذات مستوياتها السابقة، وبالتالي
فإن الضرر ستشعر به الأسر الدنماركية.
الأسوأ منذ عقود
وكوبنهاغن لا تنتهج سياسة شبيهة بتلك التي تبنتها أخيرا برلين، بتخصيص
مساعدات مالية تصل إلى 300 يورو لتخفيف بعض أعباء ارتفاع الأسعار على الأسر
التي لديها أطفال.
فارتفاع أسعار الطاقة يجر معه وضعا لم يعشه الدنماركيون منذ عام 1975، إذ ينفلت
التضخم من مؤشراته ليعود إلى العشرية الممتدة حتى 1985، حيث وصل إلى نحو
9 في المائة.
ولا تتراجع القدرة الشرائية فقط الآن وتفقد الكرونة الدنماركية بعض قوتها التي
تميزت بها عن بقية كرونات إسكندنيافيا، بل إن الأزمة الناجمة عن غزو روسيا
لأوكرانيا تدفع بتوقعات التضخم إلى قفزات هائلة.
المراقبون يخشون انفلاتها على المستوى الأوروبي لتصل إلى ما وصلت إليه في
فترات الحربين العالميتين الأولى والثانية، بواقع نحو 20 في المائة سنويا.
انفجار التضخم يعني عمليا انكماشا، والجيل الذي ولد بعد نهاية الحرب الباردة
(1992) لم يشعر بمستوى التضخم، الذي بقي منذ 1990 يراوح بين صفر و2.5 في
المائة، إذ حتى في ذروة الأزمة المالية العالمية في 2008، لم يواجه الدنماركيون ما
يواجهونه اليوم، كبقية الأوروبيين، من مخاوف تسارع وتيرة التضخم.
وتصل التوقعات إلى 8 في المائة للعام الحالي 2022، وهو ارتفاع سيؤثر على يوميات الدنماركيين.
ولم تشهد البلاد وتيرة ارتفاع الأسعار منذ 30 سنة، بمعدل تضخم حالي بنحو 5 في المائة، متجاوزا 4.8 في نهاية 1989. فمنذ صباح اليوم الاثنين تتعرض آلاف السلع في محال البقالة والمتاجر إلى ارتفاعات تتجاوز الـ15-20 في المائة مقارنة بشهر فبراير/شباط الماضي.
وتعد المواد الغذائية هي الأكثر تأثرا، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية 2021. ويبدو أن ارتفاع أسعار الطاقة بات يؤثر حتى على أسعار الحليب، رغم أنه منتج محلي في البلاد.
ويشير كبار المحللين الاقتصاديين في “البنك الدنماركي” ورابطة أرباب العمل إلى أن التضخم سيدفع إلى تراجع القوة الشرائية، وبالتالي الشعور بتناقص الرواتب بشكل غير مسبوق، حيث يتأثر على السواء موظفو القطاعين الخاص والعام.
وكان الشهران الأولان من العام الحالي قد شهدا قفزات في التضخم وزيادة بالأسعار لم تتساو مع زيادة الرواتب بنسبة 3.4 في المائة مع نهاية 2021، أي أن التضخم تجاوز بـ1.5 في المائة تلك الزيادات السنوية في الأجور. وذلك يعني تزايد شعور الناس بأن قدرتهم الشرائية تراجعت أكثر.
وتقدر البنوك الدنماركية أن الأسرة التي تضم بالغين وطفلين ستضطر إلى إنفاق نحو 20 ألف كرونة إضافية هذا العام على مستوى المعيشة مقارنة بالعام الماضي.
الطاقة تقود التضخم
ويعيد المختصون ارتفاع فاتورة الأسر إلى زيادة أسعار الطاقة، وعلى وجه الخصوص الغاز والكهرباء والديزل والبنزين، وذلك يضرب أيضا مخططات التحول الأخضر، أو الطاقة المتجددة.
وبالنسبة للمواطنين، فإن الزيادة في الأسعار تأتي على شكل ارتفاع تكلفة استهلاك الكهرباء والتدفئة وملء خزانات السيارات والمواد الغذائية. ففواتير الكهرباء زادت بنسبة 60 في المائة، والتدفئة بـ134 في المائة، ما يزيد المتاعب وإرهاق محافظ المواطنين الذين اعتقدوا للتو أنهم خرجوا من أزمة كورونا، والتي أثرت منذ ربيع 2020 بسبب سياسات الإغلاق وتأثر شركات الخدمات اللوجستية والشحن الكبرى، حيث تعرضت سلاسل التوريد لضغوط، ولم يتمكن الموردون من تسليم البضائع بنفس الوتيرة التي كانت عليها عند الطلب، ما رفع أيضا الأسعار.
والحكومات التي ضخت الأموال في المجتمع، كما فعلت واشنطن بإرسال مبالغ مليارية على شكل دعم نقدي للمواطنين، كما عوضت الدنمارك بعض القطاعات عن خسائرها، وأفرجت عن أجور الإجازات المجمدة، لكنها اليوم تدفع فواتير كبيرة للحرب.
وأثر الغزو الروسي لأوكرانيا بشكل مباشر على المواطنين الأوروبيين، حيث يؤدي عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي إلى مزيد من توقعات التضخم المرتفع.
وذلك الارتفاع إن استمر طويلا، كما هو متوقع في ظل غياب بدائل آنية للطاقة، من الممكن أن يؤدي إلى انكماش، حيث ينتظر المستهلك على أمل انخفاض الأسعار، ما يخلق انخفاض طلب ونشوء دوامة انكماش.
ورغم ذلك، فإن التضخم ارتفع إلى ما هو أعلى مما يستهدفه البنك المركزي الأوروبي بواقع 2 في المائة فقط، من خلال تدخلات بنكية مركزية للسيطرة عليه من خلال أسعار الفائدة.
ويترقب الاقتصاديون إمكانية تدخل البنك المركزي الأوروبي بالفعل لرفع أسعار الفائدة، وهي دوامة أخرى ستؤدي أيضا إلى تراجع جاذبية الاقتراض للاستثمار والاستهلاك، ما يدفع بالأسعار نحو مزيد من الارتفاع.