القصة الكاملة لوفاة طفلة في السويد ذات الأعوام الثلاثة
الدنمارك بالعربي – أخبار السويد .. لم تهز الحادثة التي سنتناول تفاصيلها في هذا التقرير الشارع السويدي ومدينة نورشوبينغ فحسب، بل امتدت تداعياتها لتصبح محل نقاش في قاعات البرلمان السويدي، ودافعًا لإعادة النظر في بعض القوانين المصيرية.
هي حادثة مؤلمة أودت بحياة طفلة “إسميرالدا Esmeralda ” بريئة لم تتجاوز سنيّ عمرها الثلاثة أعوام، بعد أن قادها حكم المحكمة إلى حتفها.
وبدأت القصة في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما ضجت الصحف ووسائل الإعلام بخبر العثور على جثة طفلة صغيرة في الثالثة من عمرها في إحدى الشقق السكنية في مدينة نورشوبينغ، ليلقي القبض مباشرة على والديها بتهمة الإهمال الجسيم.
كانت هذه المعلومات البسيطة كفيلة بأن تشعل غضب الكثيرين، إلا أن تفاصيل القصة كانت تزداد تعقيدًا ومرارة مع كل خيط جديد يكشف فيها.
حامت الشكوك حول الوالدين اللذين لم يتجاوزا العقد الرابع من عمرهما، وخضعا للاستجواب بعد القبض عليهما، في الوقت الذي كانت تجرى فيه التحقيقات على قدم وساق بانتظار الحصول على تقرير الطبيب الشرعي الذي سيظهر الأسباب الحقيقية للوفاة.
أنكر الوالدان التهم الموجهة إليهما وأصرا على براءتهما، مع ادعاءاتهما المستمرة بأن الوفاة كانت بسبب حادثة.
ثم بدأت تتعالى أصوات من دائرة الشؤون الاجتماعية وحماية الأسرة، تطالب التحقيق بوفاة الطفلة وفقًا لقانون (Lex Bobby)، وينص هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ عام 2008، على إجراء تحقيق خاص عند وقوع شكوك بوفاة طفل بسبب العنف الأسري أو جرائم أخرى، للتأكد مما إذا كان الطفل بحاجة حقيقية إلى الحماية قبيل وفاته.
ويهدف هذا القانون إلى إيجاد الثغرات في شبكة أمان المجتمع لتقديم مقترحات لتدابير من شأنها أن تمنع تعرض الأطفال إلى المعاناة الشديدة.
ولم تمض فترة طويلة، حتى فجر الادعاء العام مفاجأة من العيار الثقيل؛ إذ تبين أن الطفلة الضحية كانت تحت الرعاية البديلة عند أحد العوائل منذ ولادتها، وقبل نحو 16 شهرًا من وفاتها صدر حكم المحكمة بوقف الرعاية البديلة لتنتقل بموجب هذا الحكم إلى منزل والديها بعد تقديمهما طلبًا بذلك.
وأثارت هذه المفاجأة حفيظة الكثيرين ممن أدانوا بشدة قرار المحكمة، ووصفوا نتيجته بالمأساوية، فضلًا عن إدانتهم للتشريع بصيغته الحالية الذي يرجح حق الأبوين البيولوجيين باسترجاع أولادهم وإن لم يتوافق ذلك مع مصالح الطفل الفضلى.
لكن الخبر الصادم الذي وقع كالصاعقة على الجميع كان وفاة أب الطفلة في مركز الاحتجاز، مع تأكيد الشرطة على عدم وجود أي دلائل توحي بمحاولة انتحار أو ارتكاب جريمة بحقه، وأعلنت بدء التحقيق في وفاته التي زادت مأساوية القصة وتعقيدها.
وفي هذه الأثناء، ارتأت بلدية نورشوبينج البدء بإجراء تحقيق آخر إلى جانب تحقيقات الشرطة في قضية وفاة الطفلة، بالاستناد إلى قانون (Lex Sarah)؛ وهو أحد أحكام قانون الرعاية الاجتماعية، يوجب أي شخص يعمل في مجال الخدمات الاجتماعية بالإبلاغ عن أي سوء في الإدارة أو خطر قد ينتج عن قرارات أو ممارسات غير مدروسة.
وبدأت المطالبات بتغيير قانون الرعاية الاجتماعية الخاص بالأطفال، معتبرين أن هذه القضية هي خير دليل على أن قانون حماية الأطفال يحتوي على ثغرات هيكلية لا يمكن التغاضي عنها. الاقتراح الذي أيدته وزيرة الشؤون الاجتماعية لينا هالينجرين، مؤكدة على عزمها تشديد القانون.
ثم توالت الأحداث بعد ذلك لتصل إلى تقرير الطب الشرعي، الذي أثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن الطفلة تلقت جرعات من الأدوية المهدئة والعقاقير المخدرة والمنومة لعدة شهور قبل وفاتها، ويرجح الأطباء أن يكون هذا هو السبب الرئيسي للوفاة. لتصبح التهمة الموجهة إلى الأم هي الإساءة الفادحة أو الجسيمة، وهي جريمة جنائية تشمل حالات إجبار الطفل على تعاطي المخدرات.
وأوصى الطبيب في وكالة الطب الشرعي بإجراء فحص شرعي للحالة النفسية للأم، للاشتباه في معاناتها من اضطراب عقلي خطير. الأمر الذي لا يعد مستبعدًا؛ إذ أعلنت الشرطة في مؤتمر صحفي عقدته، أن الأبوين عاشا في عزلة مع أولادهما، ولم يرسلا الطفلة الضحية على الحضانة. فضلًا عن أنهما انسحبا من أغلب علاقاتهما خلال الأشهر الستة التي سبقت وفاة الطفلة ولم يتواصلا مع أشخاص كثر.
ثم أعلنت المحكمة الإدارية أن الطفلة توفيت قبل أيام قليلة من عثور الشرطة عليها، وكان إخوتها معها في المنزل في ذلك الوقت. ازداد موقف الأم صعوبة، وبدأت علامات استفهام تدور حول معاملتها لطفلتها قبل وفاتها، وما إن كانت الطفلة تتعرض للإساءة المتعمدة أم لا.
وأثارت هذه الحقائق غضب الشارع السويدي، وعادت المقترحات التي تنادي بتقييد حقوق الوالدين مجددًا، فضلًا عن المطالبات بمراجعة التشريعات الخاصة بقضايا الأطفال وحمايتهم، وتمكين دائرة الخدمات الاجتماعية وتوسيع دائرة صلاحياتها حتى وإن كانت قراراتها تتعارض مع رغبة الوالدين، وكانت وزيرة شؤون المساواة بين الجنسين، أوسا ليندهاجين إحدى المطالبين بفرض هذه القيود.
ثم كلفت الحكومة محققًا خاصًا لصياغة مقترحات تشريعية ملموسة لتعزيز حقوق الأطفال وحمايتهم، وذلك في أعقاب وصول نتيجة التحقيقات التي أكدت على أن كلا الوالدين كانا يتعاطا المخدرات، ليصبح جليًا أن الإدمان كان السبب الرئيس وراء وقوع هذه الحادثة المأساوية. إذ ادعى الوالدان عند مطالبتهما باسترجاع حضانة ابنتهما، خلوهما من المخدرات والتوقف تمامًا عن تعاطيها، الأمر الذي لم تتحقق منه
المحكمة الإدارية أو دائرة الخدمات الاجتماعية عن طريق إجراء اختبار خلو من المخدرات، خاصة وأن الوالدين رفضا الخضوع له.
أما التحقيق الثانوي الذي أجرته بلدية نورشوبينغ، فتوصل إلى أن مكتب الشؤون الاجتماعية لم يرتكب أي أخطاء خطيرة في تعامله مع قضية الطفلة. وقالت مديرة الشؤون الاجتماعية في البلدية، “راجعنا بعض أوجه القصور التي ارتكبناها، ونعترف أننا لم نتبع بعض الإجراءات الروتينية الضرورية. لكننا لم نتوصل إلى أي شيء يدل على أنه كان بوسعنا الحول دون وقوع هذه الجريمة.”
وتداولت وسائل الإعلام أخبارًا مفادها أن شهودًا كثر تلقوا تهديدات من مجموعة إجرامية حذرتهم من المثول أمام المحكمة وتقديم شهاداتهم عندما رفع الأبوان قضية لاسترداد حضانة طفلتهما. فلم يتمكن أحد من إدلاء شهادته بعدم أهليتهما واتباعهما أسلوب حياة خاطئ ومسيء قد يعرض الطفلة للخطر.
وها هي الأم تواجه الآن تهمة القتل والانتهاكات الخطيرة والمسيئة للغاية. ويستمر محاميها في إنكار هذه التهم، مشيرًا إلى أن التحقيق الأولي عزز قصة موكلته بأن الوفاة كانت حادثًا. بينما تعتقد المدعية آنا لاندير أن الأدلة ضد الأم قوية وتشير بوضوح إلى سوء معاملتها لطفلتها.
وعقدت يوم أمس 25 مايو/ أيار أولى جلسات المحكمة، ليخرج محامي الأم بادعاء جديد مفاده أن الطفلة توفيت جراء انزلاقها في حوض الاستحمام، مع محاولات جلية لتحميل الأب المتوفي مسؤولية الإهمال. لا ندري إلام ستؤول هذه القضية، وما الحكم الذي ستقرره المحكمة في حق هذه الأم، وما المفاجآت الجديدة التي ستكشفها جلسات المحكمة. لكن الأيام القادمة كفيلة بأن تجيب على كل هذه التساؤلات.