“عائلات قيصر” في السويد: بين المأساة والبحث عن العدالة
نبذة عن عائلات وقانون قيصر
عائلات قيصر، هي عائلات سورية منكوبة، تعرفت مؤخراً على مصير وجثامين بعض أفرادها، الذين قضوا نتيجة التعذيب على أيدي عناصر الأجهزة الأمنية، داخل معتقلات وسجون نظام الأسد، بعد أن قرر ضابط في جهاز الشرطة العسكرية، يلقب بـ”قيصر”، الانشقاق سنة 2013 وتسريب حوالي 55 ألف صورة، بمعدل 4 صور لكل جثة، كشفت لدى نشرها آثار التعذيب الواضحة على جثث أولئك الضحايا بالكهرباء والضرب والخنق وتكسير العظام والأمراض المختلفة. من بين القتلى أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً وشيوخ تتجاوز أعمار بعضهم 70 عاماً.
حسب منظمة هيومن رايتس واتش، فإن الصور التي قدمها “قيصر” تثبت وفاة 6786 معتقلاً، فيما ذكر هذا الأخير خلال خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، أن إجمالي عدد ضحايا الاعتقال بلغ 10 آلاف شخص.
على خلفية تلك الصور المسربة، أطلق الكونغرس الأمريكي في ديسمبر/كانون الأول 2019، قانوناً حمل اسم “قانون قيصر لحماية المدنيين”، كان قد تقدم به النواب سنة 2016 ووقع عليه الرئيس دونالد ترامب كجزء من قانون ميزانية الدفاع عام 2020، حيث دخل فعلياً حيز التنفيذ منتصف شهر يونيو الماضي، يقضي فرض عقوبات اقتصادية مشددة على الحكومة السورية والدول الداعمة لها. استهدفت الدفعة الأولى منها الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء إضافة إلى 39 كياناً أخر.
تساؤلات مشروعة:
كمواطنين في دولة يسودها القانون وذات تجربة رائدة بمجال حقوق الإنسان، يحج إليها سنوياً عشرات آلاف اللاجئين طلباً للحماية والأمان، يهمنا أن نسأل:
* ما هي التجارب التي مرت بها بعض العائلات في السويد لتتعرف على مصير ذويها عبر صور قيصر؟
* هل تستطيع تلك العائلات، في ظل التهديدات الأمنية الراهنة لحياة أسرهم داخل سورية، أن يساهموا من أوروبا، عن طريق أجهزة إنفاذ القانون أو المنظمات الحقوقية، في دعم المساعي الرامية إلى ملاحقة مجرمي الحرب السوريين وتحقيق العدالة للضحايا؟
* ما حجم الجهود التي تبذلها السلطات السويدية من جانبها لملاحقة مجرمي الحرب على أراضيها؟ وهل أسر الضحايا راضين بما يكفي عن تلك الجهود؟
التقرير التالي يحاول الإجابة عن جميع هذه التساؤلات، من خلال مقابلة بعض العائلات، والاطلاع على رأي وإجراءات السلطات السويدية في ملاحقة مجرمي الحرب على أراضيها.
المحور الأول: مقابلات مع أسر الضحايا وشهود عيان
بعد أسابيع من البحث المضني، رفض خلالها عديد اللاجئين السوريين من “عائلات قيصر” المقيمة بالسويد، جميع دعواتنا لمشاركة تجاربهم الشخصية في إعداد هذا التقرير، خوفاً على أنفسهم وعوائلهم الموجودة حالياً داخل سورية من بطش النظام ورجالاته المنتشرين بكل أنحاء أوروبا تحت ستار طلب اللجوء على حد تعبيرهم، نجحنا أخيراً في مقابلة ثلاثة أشخاص، ممن قرروا كسر حواجز الصمت والخوف وتوثيق شهاداتهم الحية للتاريخ عن طريقنا، حرصاً على عدم ضياع حق أقاربهم وأحبتهم بالتقادم.
تتردد (أ.ر) طويلاً قبل أن تروي لنا حادثة اعتقال والدها وإخفائه قسرياً على أيدي عناصر أمنية تابعة للنظام السوري، لكنها توافق في النهاية بعد تعهد منا بعدم ذكر أية معلومات قد تؤدي إلى إمكانية التعرف على هويتها، حرصاً على سلامة بعض أفراد عائلتها الذين لا زالوا يقيمون حالياً داخل الأراضي السورية، قائلة: ” كان والدي، رحمه الله، يعمل سائقاً على حافلة عمال في إحدى مصانع القطاع العام. قبل 8 سنوات تقريباً، استوقفه ذات صباح، حاجز أمني منصوب على الطريق بينما كان يقل عدداً من العمال للمصنع.
أخبره عناصر الأمن أن المرور ممنوع وعليه العودة من حيث جاء. لكنه أجابهم أن الحافلة أمانة عنده وعليه تسليمها أولاً إلى أصحابها حتى لا يفقد وظيفته.
إلا أن أفراد القوة الأمنية على ما يبدو اعتبروا مجرد محاولته مناقشة الأمر معهم استفزازاً كافياً وتحدياً صريحاً لمشيئتهم، ما دفعهم إلى إجباره على الترجل من الحافلة وركوب سيارتهم التي اقتادته للسجن قسراً، بعد أمرهم الركاب أن يولوا أحدهم مهمة قيادة الحافلة فوراً بدلاً منه ليرجع بهم إلى ديارهم.
وكما هو متوقع، لم تقم أية جهة رسمية أبداً بإبلاغنا أن والدي موجود قيد الاعتقال، فلم نكن لنعلم بمصيره مطلقاً لولا أن بعض زملائه من ركاب الحافلة اتصلوا بنا مباشرة ليخبرونا ما جرى”.
وعن التعرف على جثمانه من بين صور قيصر المسربة، تقول: “منذ لحظة اختفاءه، فشلت جميع وساطاتنا ومحاولاتنا في البحث على معرفة مكانه، أو حتى سبب اعتقاله. أوائل شهر يوليو/تموز الحالي سمعت للمرة الأولى بقصة تسرب عشرات آلاف الصور لجثامين بعض من قضوا داخل معتقلات النظام السوري عن طريق ضابط منشق يدعى قيصر، فقررت البحث عن أبي، على غرار كثير من أهالي المعتقلين الأخرين، بين صور الشهداء المنشورة.
لك أن تتخيل مقدار الإجهاد النفسي والعصبي الذي أصابني إزاء اضطراري إلى تفحص صور أولئك الضحايا بكل ما تحمله من آثار ضرب وكسر وخنق وتعذيب شديدة البشاعة، مع احتمالية الاكتشاف، في أية لحظة، أن والدك من ضمنهم. لكنني لم أستطع العثور عليه. بعد أيام قليلة، تلقيت اتصالاً هاتفياً من عائلتي في سورية، يعزونني به ويبلغوني أنهم استطاعوا التعرف مؤخراً على صورة لوالدي بين الضحايا”.
وتذكر (أ.ر) سبب وفاة والدها، قائلة: “عندما تم اعتقال والدي، لم يكن قد جاوز يومها سن الثانية والأربعين، كما لم يكن يعاني من أية أمراض مزمنة وتمتع بصحة جيدة تماماً. أما عن سبب وفاته، فإن آثار الضرب المبرح والتعذيب تبدو واضحة وجلية فوق جسد المرحوم”.
تقيم (أ.ر) مع زوجها وأطفالها في مملكة السويد منذ عامين، إثر تقدمها بطلب لحق اللجوء عبر مقر مفوضية الأمم المتحدة في إحدى الدول العربية.
على الرغم من شروع بعض عائلات قيصر الموجودة خارج سورية في رفع دعاوى قضائية للمطالبة بمحاسبة الضباط المسؤولين عن إعطاء الأوامر لارتكاب تلك المجازر، سوى أن (أ.ر) ترفض بشكل قاطع مجرد التفكير في القيام برفع قضية مماثلة من السويد، حيث تبرر ذلك قائلة: “قطعاً لم أقم برفع أية دعاوى قضائية ضد النظام ولا أنوي فعل ذلك مستقبلاً، فأنا أخشى أن يؤدي هذا بشكل ما إلى التعرف على هويتي ويعرض سلامة عائلتي في سورية بأكملها للخطر”.
أما عن ثقتها في قدرة الحكومة السويدية على تحقيق العدالة لأسر الضحايا من خلال ملاحقة مجرمي الحرب السوريين اللاجئين لديها، فتقول: “نحن نثق بكل تأكيد في جدوى أية جهود ستقوم بها الحكومة السويدية ضمن هذا الإطار، لكننا ندرك أيضاً أن مثل هذه المساعي تستغرق عادة وقتاً طويلاً جداً قبل لمس نتائجها المرجوة على أرض الواقع”.
الناشط الحقوقي د. كمال اللبواني، لاجئ سوري أخر في السويد، يحكي بدوره تفاصيل بعض حوادث اعتقال مجموعة من معارفه وأبناء عمومته، التي أفضت في نهايتها إلى مقتلهم أو اختفائهم قسرياً داخل سجون النظام، قائلاً: “كان صديقي حمزة التيناوي (60 عاماً تقريباً) يعمل موظفاً بالبلدية، ثم شارك بعد اندلاع الثورة في تشكيل مجلس محلي منتخب بغرض الحفاظ على البنية التحتية والخدمات العامة. إثر سيطرة قوات النظام على مدينة الزبداني، انتقل بشكل نظامي للإقامة في لبنان، إلا أنه ظل يزور سورية بين الحين والأخر.
بإحدى هذه الزيارات، اعتقلته قوة أمنية سورية متمركزة على معبر “الجديدة”، ثم اقتادته مباشرة إلى مقر الأمن العسكري حيث جرى احتجازه. كان الرجل آنذاك مريضاً بداء باركنسون، فحاولنا كثيراً إيصال الأدوية أو توكيل محامي له، لكن دون جدوى. بعد أيام قليلة، توفي التيناوي جرَّاء التعذيب والحرمان من الرعاية الطبية اللازمة، كما اختفت جثته تماماً.
عندما جرؤ ابنه عصام (30 عاماً تقريباً) على الذهاب إلى فرع الأمن العسكري للسؤال عن مصير والده، سارعوا إلى اعتقاله أيضاً، ولا زلنا بعد انقضاء أربع سنوات، عاجزين عن إيجاد أي أثر له.
هناك أيضاً زميلاي، الطبيبان عمار بن ياسر رمضان ورضوان برهان، رحمهما الله تعالى، اللذان عملا في المستشفى الحكومي بمدينة الزبداني. قبل أن يتم اعتقالهما وتصفيتهما جسدياً داخل السجن، بتهمة معالجة مدنيين مصابين من داخل المناطق التابعة لسيطرة المعارضة.
كما تبقى عائلتي حتى يومنا هذا، جاهلة تماماً مصير قريباي، علي بن محمود اللبواني وزياد بن حسين اللبواني، منذ أن قامت قوات الأمن بتوقيفهما سنة 2012، على الرغم من كونهما لم يمارسا أية أنشطة تتعلق في السياسية مطلقاً”.
لدى سؤاله عما إذا كان يثق بجدية وجدوى الجهود الرسمية السويدية المبذولة لملاحقة مجرمي الحرب السوريين الموجودين في السويد، نفى د. اللبواني ذلك، مبرراً: “لا أعتقد أن هناك جهوداً حقيقية تبذل بهذا الجانب، لكن هذا لا يمنع أن القوانين يمكن تفعيلها إذا مارست الجالية السورية هنا حراكاً منهجياً ضاغطاً لإرغام السلطات المختصة على ذلك، لأن القوانين في السويد تطبق بشكل روتيني. إلا أن الادعاء العام ليست من أولوياته التقصي عن جرائم لم ترتكب في بلده”.
ثم ختم شهادته بالإجابة عما إذا كان قد فكر مع بعض أسر ضحايا جرائم الحرب في تكوين رابطة تجمعهم وتطالب بحقوقهم على غرار رابطة عائلات قيصر في ألمانيا، قائلاً: “لقد فكرنا في تكوين جسم مماثل سابقاً دون شك، لكن التنفيذ يتطلب حراكاً من جهات المعارضة المعترف بها رسمياً، إلا أنها، كما تعلم، مشغولة أكثر في تلبية احتياجات ومطالب الدول الداعمة أو المستضيفة لها، فضلاً عن مصالحها الشخصية، فالدول الأوروبية تطالبنا دائماً بالتحرك ضمن مؤسسات المعارضة التي تعترف بها هي حصراً، أو بصفة فردية.
لذا تسود حالة عامة من عدم التعاون واليأس بين أبناء الجاليات السورية في المهجر، نتيجة النزاع والتنافس بين زعامات المعارضة الحالية من الانتهازيين والمتسلقين، الذين تشكلت تياراتهم المختلفة بأيادي بعض الدول، ثم فرضت علينا كمتحدثة باسمنا سياسياً، دون اتباع أية معايير ديمقراطية”.
أما أحمد منصور، فهو معلم ومعتقل سابق، حاصل على حق اللجوء السياسي في السويد، يدلي بشهادته الحية شخصياً حول وفاة د. حافظ حسن، صهر د. كمال اللبواني، في المعتقل بجانبه وما قاساه مع بعض رفقاء سجنه من تعذيب وانتهاكات على أيدي الأجهزة الأمنية، قائلاً: صباح الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول سنة 2012، قبل حلول عيد الأضحى المبارك بأيام، استوقفتني قوات الأمن السورية بفرع المنطقة 223، صحبة ثمانية عشر رجلاً أخرين. في اليوم التالي، أحضروا إلى نفس زنزانتي طبيب قلب متقاعد، عمل سابقاً بمستشفى الأسد الجامعي يدعى د. حافظ محمد حسن.
لقد أذاق عناصر الأمن هذا الرجل ألواناً من العذاب لا حصر لها وكسروا عظامه في أكثر من موضع، ما جعل حالته الصحية تتدهور بسرعة شديدة خلال عشرة أيام فقط حتى لم يعد يقوى على الحركة، لا سيما أنه كان ثقيل الوزن بعض الشيء، كما فقد السيطرة كلياً على جسده، لذا كنت أتعاون دائماً مع سجين أخر على حمله لدخول المرحاض ومساعدته في تنظيف نفسه.
أيضاً كان معنا بنفس الزنزانة ابن عم له، يملك ورشة حداده في منطقة “عين منين”، اتهم بتصنيع مدافع الهاون للمعارضة، إلا أنهم رحلوه بعد أربعة أيام إلى مكان غير معلوم ولا نعرف شيئاً عن مصيره منذ ذلك الحين. مع مرور الوقت مات من بين الثمانية عشر معتقلاً ستة أشخاص بينهم ابن عمي”.
ويصف أحمد طريقة نقل عناصر الأمن لجثث زملائه الذين قضوا داخل المعتقل بنية التخلص منها، قائلاً: ” كانوا يكومون جثث القتلى، التي بدأ معظمها يتعفن فعلياً، فوق بعضها البعض، داخل صندوق سيارة شحن من نوع (كيا)، تشبه ما يركبه تجار الجملة لتوزيع بضائعهم، غير أنها بدت أقرب إلى سيارة محل جزارة لكثرة ما يغطيها من دهن ودماء بشرية، ثم يمضون بها إلى مكان مجهول”.
وعن لحظات خروجه من السجن، يقول: “بعد خمسة وعشرون من يوماً من التعذيب دون أي ذنب اقترفته، قرروا أخيراً الإفراج عني. لقد كان وزني قبل الاعتقال يبلغ حوالي مئة كيلوجرام، أما عقب الإفراج فلم يتجاوز حينها أربعون كيلوجراماً فقط، كما أن آثار التعذيب لا زالت حتى يومنا هذا تغطي كل شبر من أنحاء جسدي”.
وعند استفسارنا عن مصير رفيق زنزانته د. حافظ حسن وإن كانت عائلته قد استطاعت التعرف عليه من بين صور قيصر، أجاب: “لما أخذوه من الزنزانة كان الرجل منتهياً تماماً، لذا حملناه في سيارة الجثث لا الإسعاف، ثم علمت من ذويه، عندما استطعت التواصل معهم، أن الدولة سلمت جواز سفره وبعض متعلقاته الشخصية لهم بعد مرور قرابة عام على اعتقاله، ما يؤكد وفاته رسمياً.
يفترض أن تكون صورته أيضاً موجودة بين مجموعة صور قيصر المسربة، لكن التغيرات الكبيرة الحاصلة في معالم وجوه الضحايا بسبب التعذيب، حالت دون قدرتنا على تمييزه. لقد خلفت عملية البحث والتدقيق في الصور كوارث نفسية لعائلته، التي ما انفكت تعيش أصلاً حالة دائمة من الحزن والصدمة طيلة السنوات التالية لاعتقاله.
وعما إذا كان يعتزم يوماً ما، رفع دعوى قضائية ضد النظام السوري من السويد، يؤكد منصور أن الفكرة غير مطروحة للنقاش من الأساس، موضحاً: عندما تم الإفراج عني، لم أجرؤ يومها على الاتصال بابنتي في دمشق لأبشرها، خوفاً من أن يكون هاتفها مراقباً ويتم اعتقالها أيضاً، فطلبت من شقيقها المقيم في تركيا أن يحاول إيصال الخبر إليها شفوياً.
حتى بعد لجوئي للسويد، استغرقني الأمر سنوات لأخرج من عزلتي عن الناس وتبدأ جراحي النفسية والجسدية في الاندمال تدريجياً. لذا أعتقد أن محاولتي القيام برفع أية دعاوى قضائية ضد النظام، لن تكون إلا مجرد تصرف غير مسؤول، لا يصدر سوى عن شخص بالغ الحماقة أو مفرط الأنانية، لأنني سأتسبب وقتها قطعاً في تعريض حياة ابنتي وجميع أفراد عائلتي المقربين داخل سورية إلى خطر الاعتقال أيضاً أو ما هو أشد سوءاً بمراحل، لمجرد الانتقام مني، أو ابتزازي لإرغامي على التنازل وجعلي عبرة لكل لاجئ قد تسول له نفسه مستقبلاً القيام بأمر مماثل”.
المحور الثاني: الاطلاع على الجهود الحكومية المبذولة لملاحقة مجرمي الحرب السوريين في السويد
هل تقاعست السلطات السويدية عن أداء دورها، حسب القانون السويدي والقانون الإنساني الدولي، في ملاحقة مجرمي الحرب ومحاكمتهم على أراضيها؟
تختلف موظفة الاتصالات في وكالة الهجرة السويدية يوهانا مولين، تماماً مع صحة مثل هذه الادعاءات، داعمة رأيها بالإشارة إلى سبل التعاون التي انتهجتها الوكالة مع بعض أجهزة الأمن الرسمية للتعرف على المتهمين بارتكاب جرائم الحرب من وسط عشرات آلاف طالبي اللجوء في السويد سنوياً، قائلة: “بادئ ذي بدء، تود وكالة الهجرة السويدية أن تشير إلى أننا لا نتفق مع الفرضية المذكورة.
في الواقع، الوكالة ملزمة قانوناً بالعمل بنشاط للعثور على أشخاص من بين الحالات التي قد تكون ارتكبت جرائم حرب أو الذين قد يشكلون تهديداً لأمن بلدنا وإحالة هذه الحالات إلى السلطات المختصة.
حيث تعاونت الوكالة والشرطة ومكتب المدعي العام معاً بشكل وثيق في قضايا جرائم الحرب لسنوات عديدة. تم تطوير التعاون وإضفاء الطابع الرسمي عليه في عام 2015، ومنذ ذلك الحين قامت السلطات بتبادل المعلومات وتعاونت بشكل أكثر انتظاماً واستراتيجية للعثور على الجناة المحتملين من بين المتقدمين للحصول على الإقامة في السويد”.
ثم تستطرد مولين شارحة الإجراءات الرسمية المتبعة لدى الاشتباه أن أحد طالبي اللجوء متورط بارتكاب جريمة حرب أو أية جرائم خطيرة عموماً:
“إذا اكتشف مسؤول الحالة في الوكالة شيئاً قد يشير إلى أن مقدم الطلب ربما يكون متورطاً في جرائم حرب أو جرائم خطيرة أخرى، فإن ضابط القضية يتشاور مع خبرائنا ويواصل طرح الأسئلة لمحاولة تحديد ما إذا كان هناك سبب لاستبعاد مقدم الطلب من الحق في الحماية الدولية. في مثل هذه الحالات، حتى على مستوى منخفض من الشك، تحيل الوكالة القضية أيضًا إلى الشرطة لمزيد من التحقيق في جرائم الحرب المحتملة”.
وحول إمكانية اتخاذ قرارات تقضي برفض طلبات اللجوء أو الترحيل لمجرمي الحرب من البلاد، حسب ما ينص قانون الأجانب السويدي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، تجيب مولين: “يمكن للوكالة أن تستبعد مقدم الطلب من الحق في الحماية الدولية إذا كانت لدينا أسباب جدية للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب أو تورط بطريقة أخرى في ارتكاب جرائم حرب أو أية جرائم خطيرة أخرى.
الاستبعاد يعني أن الشخص يعتبر غير مستحق للحماية الدولية، ونتيجة لذلك، ليس لديه الحق في الإقامة في السويد، على الرغم من أنه قد تكون هناك حاجة إلى الحماية الدولية وفقاً لقانون الأجانب السويدي.
ومع ذلك، نظراً لالتزامات حقوق الإنسان المنبثقة عن الاتفاقيات الدولية، فقد يكون من الصعب أو شبه المستحيل ترحيل الشخص من السويد، في العديد من تلك الحالات، حيث إنهم غالباً ما يواجهون خطر التعذيب أو عقوبة الإعدام في وطنهم. وهذا يعني أنهم قد يبقون في السويد، ولكن سيتم ترحيلهم في أقرب وقت ممكن”.
بختام حديثها، تستشهد مولين في بعض الإحصاءات الرسمية لوكالة الهجرة، عن عدد قرارات الاستبعاد والإحالات إلى وحدة جرائم الحرب بقسم التحقيقات الجنائية التابع لسلطة الشرطة السويدية، خلال السنوات الخمسة الماضية، لإثبات جدية تعاطي الوكالة مع هذا النوع من القضايا، قائلة: “عدد القرارات المتعلقة بالاستبعاد بلغ 423 حالة خلال السنوات من 2015 وحتى 2019، أما عدد الإحالات إلى وحدة جرائم الحرب داخل سلطة الشرطة السويدية فقد بلغ 374 حالة خلال الفترة ذاتها.
تقرير: عمر سويدان.. إعداد: محمد أبوصبيح