رمضان في الدنمارك , ومقابلة مع الدنماركيين ورأيهم عن رمضان
حين تسمع كلمة رمضان، ما الذي يتبادر إلى ذهنك؟”. سؤال تم طرحت عشوائياً على دنماركيين شباب، في وقت تتزايد فيه النبرة العدائية ضدّ المسلمين في البلاد، ولا سيّما عند سياسيي اليمين وصحافته.
في شارع المشاة الرئيسي وسط مدينة آرهوس، عاصمة البلاد الثقافية التي اختيرت هذا العام لتكون “عاصمة أوروبا الثقافية”، لا يتردد هؤلاء الشباب في عرض تفاصيل يعرفونها حول شهر الصوم عند المسلمين،
ويذهب بعضهم أبعد من ذلك فيعبّرون عن روح التسامح وتفهّم ثقافة مواطنيه من المسلمين.
امرأة دانماركية شابة
تجرّ امرأة دنماركية شابة عربة أطفال خاصة بالتوائم وإلى جانبها فتاة وصبيّ في الثامنة من عمرهما. نطرح السؤال عليها، فتبدأ بالتعريف عن نفسها: “اسمي صوفيا، لكنّ اسمي المسلم زينب”. وتخبر صوفيا: “أنا معتادة على شهر رمضان،
أصومه مع زوجي والأصدقاء. فأنا متزوّجة من عراقيّ منذ سنوات، وهذان ولدانا فاروق وعائشة”. تضيف: “عانيت في البداية من عدم تفهم الأهل والمحيط. لم يكونوا يستوعبون معنى عدم تناول أيّ طعام حتى مغيب الشمس. لكن شيئاً فشيئاً وبعد نقاشات كثيرة بالإضافة إلى انتشار المعلومات حول رمضان، بات هؤلاء أكثر تفهماً”.
وعند سؤال صوفيا عن الصعوبات التي قد تواجهها إذ إنّ الصيام سوف يمتدّ لساعات طويلة هذا العام، تقول: “لم أصم في أيّ بلد غير الدنمارك. صحيح أنّ الساعات طويلة، لكنّني اعتدت الأمر، خصوصاً أنّ معرفتي لمقاصد الصوم تعينني على قضائه من دون مشقات كثيرة”.
يُذكر أنّ التوفيق بين متطلبات البيت والعمل، خصوصاً مع أربعة أطفال صغار، ليس بأمر هيّن خلال هذا الشهر.
أشخاص أخريين
غير بعيد عن مكان لقاء صوفيا،صادفنا هانس أندرياسن. يجيب عن السؤال أنّ “رمضان هو شهر الصوم عن ملذات الحياة عند المسلمين… هذا ما أظنه… أليس كذلك؟ وهو ينتهي باحتفال كبير يشبه عيد الكريسماس (الميلاد) عندنا”. يضيف هانس: “بصراحة، أرى في قدرة هؤلاء الصائمين على تحمّل العطش والجوع قوة روحانية. يصوم بعض المسيحيين كذلك، لكن ليس عن كل شيء، بل فقط عن اللحوم بحسب ما أظنّ”.
أما جاشوا فيجيب
: “أنا صائم كذلك. أصوم 16 ساعة يومياً وأتناول في آخر النهار قليلاً من الطعام. الطب الحديث أثبت فوائد الصيام لجسم الإنسان، وهذا يعطيني شعوراً بالتركيز والصحة والنشاط”. بالنسبة إلى جاشوا “ليس غريباً عليّ أن أفهم صيام المسلمين وما يعنيه لهم، سواء أكان للتكفير عن الخطايا أو تعاطفاً مع الفقراء والجائعين”.
ويشير إلى أنّ “ثمّة أصدقاءً مسلمين لي ليسوا معجبين بنمط الاستهلاك وبالإسراف الذي بات رمضان مرتبطاً بهما. هم يرون في الأمر تشويهاً لما تقوله تعاليمهم”.
من جهته، يقول ماكس: “لا أؤمن بالأديان أبداً. أعرف الكثير عن رمضان والصيام وقد جرّبته بنفسي وصمت سابقاً وأنا مراهق، لكن الديانات بكلّ صراحة لا تعنيني على الصعيد الشخصي.
فهي بحسب رأيي تفرّق بين البشر وتفرض توجّهات معينة على الشباب تعطّل حرية الاختيار لديهم”. بالنسبة إلى جوليان، فإنّ شهر رمضان “بحسب ما أظنّ هو الشهر المرتبط بصيام المسلمين لأسابيع. وهو أمر روحاني لديهم يتّصل بالروزنامة العربية (الإسلامية) للأشهر القمرية. وأظنّ أنّه بعد هذا الصيام، تكون لديهم إجازة كبيرة يحتفلون خلالها ويتناولون أطعمة كثيرة”.
وأثناء قيام “العربي الجديد” باستطلاع آراء الشباب الدنماركيين حول شهر رمضان، صادفت مجموعة من الفتيات والفتيان من مدرسة مختلطة. يتحمّس فتى مسلم من بينهم: “لدى زميلي ما يقوله”. فيخبر مارتن (زميله) أنّ “أصدقائي المسلمين يصومون وهم من خلفيات مختلفة.
وجميل أن نرى أفرقاء متعددين يقومون بالشيء نفسه للتفكير بالأطفال الذين لا يحصلون على الطعام”. ويعلّق فيصل (أحد التلاميذ) هنا قائلاً: “أنا فوجئت بردّ فعل أصدقائي الدنماركيين، خصوصاً بمدى التسامح لديهم على عكس ما يُشاع. وبعضهم، بعيداً عن مسألة الإيمان، جرّبوا الصيام كذلك وقد رأوا أصدقاءهم المسلمين الدنماركيين يصومون. وهم يعبّرون عن احترام كبير تجاه هذا الشهر، لأنّهم يدركون مقاصد الصوم”.
في السياق، يقول أندرياس هولم يانسن وهو شاب دنماركي مسؤول عن مشروع شبابي مختلط، إنّ “رمضان هو شهر الصوم عند المسلمين. في الواقع، لست ضدّ الصيام، لكنّني أشعر فقط بالأسف على الصائمين في الدنمارك لأنّ النهار طويل والشمس تغيب متأخرة في أشهر الصيف”.
من جهتهما، يختلف ميكال ومريم وهما من أصول لبنانية مولودان في الدنمارك. بالنسبة للأوّل فإنّ “الصوم في الدنمارك يمرّ بطريقة عادية ومن دون مشاكل كبيرة”، في حين ترى مريم أنّه “يصعب على الصائم هنا التكيّف مع ساعات طويلة في الصيف،
في حين أنّ ثمّة ملذات كثيرة تحيط بك”. وتشير إلى أنّها جرّبت رمضان في لبنان، “لكنّه كان صعباً جداً. درجات الحرارة هناك مرتفعة جداً في الصيف”.
تجدر الإشارة إلى أنّ الشباب الدنماركيين مع خلفياتهم المتعددة، يبدون أكثر اطلاعاً على ما يعنيه شهر رمضان بالمقارنة من كبار السنّ. ويعيد فيصل الأمر إلى أنّ “الشباب يخالطون بعضهم بعضاً، ولديهم شغف التعرّف إلى ثقافات أخرى، وهم أكثر انفتاحاً”.