عنان الجلالي… من غاسل أطباق إلى مالك سلسلة فنادق في الدنمارك
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
أطلق عليه الدنماركيون لقب “ملك الفنادق”، لكنه ظل مهاجراً متواضعاً راضياً بـ “وجبة طعام وسرير بسيط وصحة”. إنه “أشهر غاسل أطباق” في الصحافة الأميركية، وبالنسبة إليه “مجرد إنسان رفض الفشل”.
كان لا يزال شابا في المرحلة الثانوية عام 1967، حين قرر المهاجر المصري، عنان الجلالي، أن لا مخرج سوى السفر بعيداً بسب عدم تفهم المحيط لعدم رغبته في البقاء على مقعد الدراسة. وهو الذي لم يفكر في يوم من الأيام في الهجرة، إلا حين، كما يقول لـ “العربي الجديد”: “وجدت نفسي غريبا في وسطي، الذي كانت مقاييس النجاح والفشل مرتبطة فيه وزادت من غربتي”، مستذكرا تقريبا نصف قرن لبداية رحلته.
والد الجلالي كان خريج حقوق وضابطا في القوات المسلحة، تفهّم رغبة ولده عنان في خوض التجربة نحو فيينا. أبحر نحو إيطاليا، كمراهق لم يترك بلده يوما، بعد أن تدبر والده قصة العشر جنيهات الإسترلينية تكلفة من كان يسافر في ذلك الوقت.
يقول:”أخذت القطار من إيطاليا إلى فيينا، وأنا الذي لا يعرف من لغات الدنيا غير العربية، وكل الثقافات والتقاليد غريبة علي. كيف أتدبر أمري وأين سأنام؟ لم أستطع الاستمرار في دفع تكاليف المبيت في بيوت الشباب، فأخذت طريقي إلى الملاجئ لأبيت فيها”.
بدأت أيامه تمر وهو يبيع الصحف على الأرصفة في العاصمة النمساوية، يدخر بعضا مما يجنيه، قبل أن يضطر مرة أخرى إلى غربة جديدة “هربا من محاولة إعادتي إلى مصر من قبل والدي، الذي بلغه من صديقه السفير المصري، الذي كان أحد رجالات ثورة يوليو، كيف أعيش. فأخذت خارطة أبحث فيها عن بلد بعيد لا يتعرف فيه أحد عليّ. نحو الدنمارك شمالا أخذتني غربتي الثانية”. في المملكة الدنماركية لم تكن الصدمة أخف لشاب يافع “يبحث عن ذاته، فوجد نفسه كالمشرد وباتت النقود تنفد. كان ملاذي صناديق الهواتف المغلقة في ذلك الزمن، وفضلات الطعام. أعترف بأنها لم تكن بداية موفقة. أطرق الأبواب لإيجاد عمل، أي عمل يمكن أن يمنحني وجبة طعام واحدة في اليوم وسريرا أنام عليه”.
غاسل الأطباق
يجد عنان الجلالي فرصته في تحقيق “طموح في الوجبة والسرير” من خلال العمل في فندق كغاسل أطباق، مقابل مبلغ زهيد جداً. يقبل على العمل في الفنادق كملاذ جيد من “التشرد والجوع”. ولكنه ليس بلا ثمن ” فقد كان هؤلاء الذين يعملون في المطبخ يمارسون أحقر أنواع العنصرية والفوقية بحقي كعربي. العمال يحصلون على وجبة بطاطا مقلية وقطعة سمك، كان يرمي لي البطاطا وقطعة السمك نيئة يرفض قليها ويقول: أنت عربي كلب يمكنك تناولها نيئة…”. ورغم ذلك لم يستسلم لما يسميه ذلك “الاضطهاد الذي عشته”.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
أصر الشاب على تعلم المزيد في قطاعه، فجمع إلى جانب غسل الأطباق ” العمل كبواب في الفندق وفي المخزن وخدمة الزبائن. عندما كان ينتهي دوامي كنت أغتسل وأرتدي البدلة الوحيدة التي حملتها من مصر. أنزل إلى البهو لأتعلم المزيد عن سر هذه المهنة في الفندقة. لم أعر بالا للنعوت العنصرية بحق العرب في ذلك الزمان، وبقيت مصرا ومعاندا لكي أتعلم المزيد”.
لم يمض وقت طويل حتى درب نفسه، وتعلم المزيد، ليصبح نائب مدير الفندق وهو شاب صغير. يروي عنان الجلالي رحلته تلك بالقول:” وجدت نفسي بحاجة للمزيد، عن إدارة الفنادق، فكنت أعمل بعشرة أضعاف وقت الدنماركيين ومجانا حتى أتعلم”.
بعد فترة قصيرة أثبت الجلالي وجوده كمدير لأكبر سلسلة فنادق دنماركية. راحت الصحف تكتب متسائلة عن “ذلك العربي الذي صار مديرا لفنادق دنماركية”. ويضيف في هذا المجال:” في أثناء عملي كنت قد تعرفت على العائلة المالكة التي كانت تحضر إلى الفندق، فأصبحت صديقا لهم، أحترمهم كما يحترمونني. ولا تزال العلاقة قائمة حتى يومنا، فإلى جانب العلاقة الأسرية كنا نقضي أوقاتا أنا وزوج الملكة في رحلات مشتركة آخرها في مصر قبل شهرين. وباتوا يدعونني لمناسبات رسمية كثيرة”.
بداية النجاح
اقترح عنان الجلالي، كمدير للسلسلة أن تتوسع نحو بلدان أخرى، لكن المُلاك بقوا منغلقين ومتخوفين من التوسع. أخذ مبادرته التي ستغير مجرى حياته بتأسيس شركته الخاصة ” فبعد أن صار لدي خبرة وادخرت نقودا، وضعت خطة تأسيس شركتي تحت اسم هيلنان، وهو اسم مأخوذ من مكان ولادتي هيلبوليس واسمي”.
كان الجلالي راغباً في أن يفتتح مشروعه في شرم الشيخ ” قبل أن تصبح على ما هي عليه اليوم بـ250 ألف سرير، شركتنا كانت الأولى التي بنت فندقا هناك. ورغبت في الاستثمار في توسيع قطاع الفنادق أكثر”.
ظل هاجس الغربة في أيامها الأولى مسيطرا على الجلالي: “آدميتي أهم من كل شيء، هذا ما حفزني لأن أبني نفسي لأصبح في فترة زمنية معينة مالكاً لسلسلة فنادق تشغل 5 آلاف موظف، وهؤلاء أجلس معهم وأتناول الطعام معهم وأحترمهم وفي بالي كيف كانت بداياتي. أكثر حكمة تعلمتها هي أن لا يرفض الإنسان النعمة التي تصله من خلال أي عمل، وأن لا يرفض الانطلاق من أي مكان. وما زلت حتى اليوم ممتنّاً لوجود وجبة وسرير في غرفة عادية في فندقي هذا”. يقع أحد فنادق عنان الجلالي على خليج آرهوس الدنماركي مباشرة، وفيه تعقد مؤتمرات ولديه في سلسلته التي تضم هيلنان فلسطين في الإسكندرية ما يقارب الـ1500 موظف من كل الجنسيات.
عن الغربة يتحدث قائلا:” هؤلاء يتحدثون عن الدمج منذ عقود، حين يدعونني للحديث في مؤتمراتهم أقول لهم إن هذا الكلام لا فائدة منه. أهم قضية هي المواطنة وآدمية البشر واحترام الناس بعضها بعضاً. لم أتغرب عن بلدي لأفرض على غيري ثقافتي وتقاليدي وديني، لكنني متمسك بعروبتي وأصلي. أنظر كيف أن المهاجرين الدنماركيين في كندا وأميركا لم يخلعوا ثقافتهم الإسكندنافية، ورغم ذلك هم مواطنون بذات المستوى”.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
طيلة الحديث مع الجلالي يكرر جملته:” أحمد ربي يوميا على كرمه معي. فأنا الذي كنت أتمنى الوجبة والسرير أقدم اليوم آلاف الوجبات ومئات الأسرة لغيري. لقد كسبت مئات الملايين وخسرت مثلها، لكنني لست من تلك الطبقة التي تنتحر بمجرد خسارتها وتنطوي لتمرض وتموت. أنصح كل القادمين الجدد والمهاجرين، وهم مئات الآلاف من العرب، أن يفكروا بتعلم كل ما يستطيعون ليقدروا يوما على مساعدة بلادهم، كل في قطاعه”.
للجلالي بعد هذه الرحلة الطويلة فلسفته في الغربة. فهي “تقدم لك الفرصة، ومن الحصافة أن نستغل الفرصة التي لم تمنح لنا في بلادنا. نستطيع أن نحافظ على أصلنا بتطوير أنفسنا من خلال العمل، وفرض احترامنا بدل تشويه صورتنا وصورة ديننا وأصولنا. العمل هو الأساس، وليس انتظار المساعدة. بهذه الطريقة نستطيع أن نجبر، كمهاجرين عرب، الآخرين على احترامنا، وليس التأفف ولا الترفع، بل التواضع والقبول بالتدرج لكي يصل الفرد وتصل الجماعة من الناس لما تريد. كل ما أردته كان سقفا ووجبة، فأنعم الله علي بجهد وصبر ما هو أكثر من ذلك”.
محطات نجاح
هو اليوم مهاجر معروف في عدد من دول المهجر، منحته عدة جامعات دكتوراه فخرية وبروح مصرية ساخرة يقول لهم في خطبه:”لم أحصل حتى على الوصول إلى الثانوية العامة”. وهو أيضا رئيس مجلس الاستشاريين في الاتحاد الدولي للجامعات في نيويورك، ومستشار للجامعة اللبنانية الأميركية.
منحته ملكة الدنمارك لقب فارس من الدرجة الأولى، لنشاطه الاقتصادي العربي الدنماركي. اختير سفيرا للعلاقات التاريخية بمناسبة مرور 250 عاما على البعثة الدنماركية الأولى للعالم العربي.
تعلم بنفسه اللغتين الدنماركية والإنكليزية، وشارك في فعاليات عربية وفلسطينية يدعى إليها.
في آخر زيارة إلى الولايات المتحدة، حيث التقى الرئيس أوباما، جرى التعريف به: أشهر غاسل أطباق في العالم.
هو باختصار لا يخجل من ماضيه، بل يعتبره محفزا لكي يكون المهاجر والمغترب العربي قادراً على إثبات وجوده
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});