حول الاحتيال في الجمعة السوداء والإثنين الأبيض
ما هم الجمعة السوداء والاثنين الأبيض وما مشكلتهما؟
أكتر_أخبار السويد
من منّا لم يسمع حول الجمعة السوداء/Black Friday؟ حيث يمتلئ العالمين الواقعي والافتراضي بإعلانات ودعايات عديدة وكثيرة تخبرنا بوجود حسومات وتنزيلات وعروض كبرى مقبلة، وحينما يأتي موعد الجمعة، تزدحم الشوارع والمحال التجارية بكافة أشكالها بالبشر، ويبدأ التدافع، والسباق، والمنافسة، والحروب الطاحنة لشراء أي شيء.
ما هي الجمعة السوداء؟
من غير الواضح تماماً ما هو أصل التسمية، أو متى ابتدأ هذا الطقس السنوي، إلا أن مختلف الباحثين يتفقون على أنه كان مرتبطاً بعيد الشكر، فأول دليل على عبارة الجمعة السوداء تم استخدامه في فيلادلفيا ويعود تاريخه إلى عام 1961 حيث استخدمته الشرطة لوصف حركة مرور المركبات والناس الكثيفة التي تجري في اليوم التالي لعيد الشكر.
ورغم عدم وضوح المحرك الأساسي خلف هذا الطقس، هل هم التجار أم الناس؟ إلا أنه يوجد اتفاق عام على أن التجار والرساميل قد وظفوا الحدث لصالحهم على أية حال، ليديروه ويعملون به بالطريقة التي تناسبهم، من منتجات التجزئة الصغيرة والخفيفة إلى المنتجات الكبرى الأثقل منها.
بتبسيطٍ للأمر، تتعرض كل عملية إنتاج وتصنيع إلى مشكلة فيض بالبضائع، حيث تُشبع الأسواق و/أو تنخفض القدرة الشرائية للناس، مما يؤدي إلى تراكم هذه المنتجات أمام الرساميل وتُسبب خسارات فادحة، لتكون الجمعة السوداء حلاً مناسباً للتخفيف من حدّة هذه الخسائر، لتخفض الأسعار ويجري عليها تنزيلات وحسومات بغية تصريفها بأي سعر كان، وهو الأمر الأفضل من تكديسها والخسارة بها بالنسبة لصاحب العمل.
تغيّرت هذه الحسابات على مرّ السنين، وأصبح الجمعة السوداء يوماً تسويقياً وترويجياً بنفسه، ليدر أرباحاً هائلة للرساميل واهمين الناس أنها تخفيضات لصالحهم.
واحدة من الأحداث البسيطة والمباشرة لعملية الاحتيال هذه هي قيام العديد من المتاجر، وتقدر نسبتها بحوالي 25% من مجمل الأسواق التجارية، برفع أسعار بضائعها قبل نحو شهرٍ من موعد الجمعة السوداء، ثم إعلان تخفيضٍ يساوي نصف قيمة الرفع السابق، أي بالنتيجة عملياً: رفع قيمة البضاعة عوضاً عن تخفيضها.
رغم سذاجة ووضوح هذا النوع من الاحتيال، إلا أن أغلبية الـ 75% المتبقون يقومون بذلك، مع فارق أن رفع الأسعار يكون جارياً على مرّ العام، وحينما يأتي موعد الجمعة السوداء تعلن التخفيضات والتنزيلات التي لن تكون أقل من قيمة التكلفة بكل الأحوال وتحافظ على نسبة ربح لا بأس بها للتجار، لكن وبأخذ نسبة المبيع الكبيرة بعين الاعتبار، مع درجة تصريف البضائع المكدسة، يكون التجار هم الرابحين بملايين الدولارات في كل عام من هذا الحدث.
على أية حال، يظل الجمعة السوداء فرصة لنا لشراء ما نحتاجه بأسعار أرخص بكثير مما هي عليه خلال مجمل العام، إلا أنه إن يعبر عن شيء، فهو يعبر عن درجة جشع هؤلاء التجار واستغلالهم لاحتياجاتنا نفسها بغية تصريف بضائعهم وضمان ربحهم.
الإثنين الأبيض
ظهر الإثنين الأبيض كردٍ على الجمعة السوداء، ويصفه البعض بأنه (ترياق) لما يجري في الجمعة السوداء، وتحديداً منه ما يتعلق بشراء واستهلاك المنتجات المضرة بالطبيعة بدرجة كبيرة ومتهورة، ليكون الإثنين الأبيض بوصفه صديقاً للاستدامة البيئية، لكن هل هو كذلك؟
ظهر الإثنين الأبيض كمبادرة سويدية ليكون حركة عالمية للاستهلاك الدائري وتأسس في السويد في عام 2017 من قبل Henning Gillberg، لموازنة ما يسمى بالاستهلاك الخطي والتنافسي الذي يحدث في الجمعة السوداء، ويدعو الناس لتغيير سلوكياتهم.
مشكلة الإثنين الأبيض – أو احتياله هو الآخر – افتراضه المسبق أن المسؤول عن تدافع الناس في يوم الجمعة السوداء هو خطأهم أو ذنبهم، متناسياً احتياجاتهم التي يتحكم بها التجار وأسعار منتجاتهم وبضائعهم والترويج لها يوم الجمعة السوداء تحديداً، ومن جهة أخرى فإنه لا يختلف من حيث الجوهر عن الجمعة السوداء من ناحية تصريف البضائع والمكاسب بها، إلا أن الفرق هو أن هذه البضائع تكون من نوع خاص: صديقة للبيئة وفقاً لمزاعم القائمين عليه، بالإضافة إلى آلية إعادة تدوير المنتجات المستعملة نفسها فيما بين الناس، والتي تكون بالمحصلة ومن الناحية العملية استغناء بعض الناس عن أدواتهم لصالح الأناس الأفقر أصحاب القدرة الشرائية الأضعف، ومن ثم شرائهم للبضائع العادية التي توصف بأنها “مضرة للطبيعة” على أية حال.